رسائل من أوساكا: نداء للتحرك العالمي من جناح دولة قطر

بقلم الدكتور سانور فيرما، مدير الشراكات والتواصل في “ويش”، مؤسسة قطر
لا يقف جناح دولة قطر في معرض إكسبو أوساكا 2025 شاهدًا على الروعة المعمارية فحسب، بل يجسد رمزًا حيًّا لالتزام دولة قطر الراسخ والدائم بالحوار والابتكار وخدمة العالم. وفي رحاب هذا الجناح بهيكله الخشبي الشبكي الملهم، استضاف “ويش” يوم 24 يونيو 2025 جلسة نقاشية رفيعة المستوى تحت عنوان “حماية الصحة في النزاعات المسلحة”، جمعت ممثلين من أبرز المنظمات الإنسانية والصحية في العالم. وقد شكّلت هذه الجلسة، بانعقادها على هامش معرض إكسبو أوساكا النشط والنابض بالحيوية، منصة لتلاقي العقول ونقطة تجمّع من أجل العمل الجماعي العاجل.
إكسبو أوساكا: موضع التقاء العالم للبحث عن حلول
يمثّل معرض إكسبو أوساكا 2025 منارة للتعاون الدولي؛ إذ يجمع تحت مظلته دولًا ومؤسسات ومواطنين يتشاركون جميعًا غاية واحدة: رسم ملامح مستقبل أكثر مأمونية وصحة وإنصافًا. إن شعار إكسبو لهذا العام “تصميم مجتمع المستقبل من أجل حياتنا” يتردد صداه بعمق في رسالة “ويش”، وكذلك في رؤية مؤسسة قطر الأوسع؛ وهنا في كنف هذه الأجواء ووسط التقارب بين الثقافات والأفكار، تهيأت أرضية خصبة وبيئة مواتية لتنظيم جلستنا النقاشية التي تناولت الهجمات على القطاع الصحي في خضم النزاعات المسلحة.
يذكّرنا إكسبو أن التحديات العالمية التي تواجه الصحة والسلام والتنمية تتطلب استجابات عالمية؛ فالمعرض بمثابة ملتقى لا يقف فيه الابتكار عند حدود الفكرة المجردة، بل يصبح قوة ملموسة دافعة إلى الخير؛ وهو أيضًا محفل تجتمع فيه خيرة العقول من شتى أنحاء العالم تتفاعل وتتلاقح سعيًا لصوغ حلول تتجاوز الحدود.
جناح دولة قطر: شاهد على الوساطة والتقدم
يشهد جناح دولة قطر على روعة التصميم؛ إذ يمزج هيكله بين سمات التقليدين القطري والياباني في البناء مستلهمًا الأصالة والمعاصرة معًا؛ بيد أن مغزاه الحقيقي يكمن فيما يمثله: دور قطر الثابت في ميادين الوساطة والابتكار ومناصرة القيم الإنسانية.
إن التزام دولة قطر بالسلام والجهود الموصلة إليه ليس مجرد عبارات دبلوماسية رنانة؛ فقد اضطلعت قطر على مدار العقدين الماضيين بأدوار وساطة محورية في بعض من أشد النزاعات تعمقًا في العالم – من غزة إلى دارفور، ومن أفغانستان إلى اليمن؛ وتنهض هذه الوساطة على أساس تفويض دستوري يقضي بتسوية النزاعات سلميًا، وتجاريها استثمارات ملموسة يجري ضخها في المساعدات الإنسانية، والتعليم، والصحة.
وقد كانت استضافة جلسة “ويش” النقاشية هنا في هذا المكان خيارًا مدروسًا؛ إذ أرسل إشارة مفادها أن حماية الصحة في خضم النزاعات المسلحة لا يمكن فصلها عن السعي لإحلال السلام، كما أكّد جاهزية دولة قطر لرأب الصدوع وتقليص الفجوات وتعزيز الحوار تأسيسًا على مركزها الفريد والمتميز بوصفها شريكًا عالميًا موثوقًا.
الهجمات على القطاع الصحي: أزمة تتطلب تحركًا عالميًا
إن الطبيعة الملحة لموضوع جلستنا النقاشية واضحة أنصع وضوح؛ فقد شهد العالم في السنوات الأخيرة تصاعدًا مقلقًا في وتيرة الهجمات على العاملين في المجال الصحي والمرافق الصحية في مناطق النزاعات، وقد وثقت منظمة الصحة العالمية الآلاف من هذه الحوادث التي أسفرت عن وفاة اختصاصيين صحيين، ودمار في البنية التحتية الحيوية، وحرمان الملايين من الرعاية الصحية.
وليست هذه الهجمات حوادث مأساوية منفردة، بل انتهاكات ممنهجة للقانون الدولي ووصمة عار على جبين إنسانيتنا المشتركة؛ فهي تقوض أساسات الصحة العامة، وتعطل تقديم الخدمات الأساسية، وتطيل أمد المعاناة في المجتمعات المنهكة أصلًا من النزاعات.
وارتكزت جلستنا النقاشية بالجناح القطري على نتائج التقرير المشترك الصادر بالتعاون بين “ويش” ومنظمة الصحة العالمية تحت عنوان “على خط النار: حماية الصحة في النزاعات المسلحة”، إذ يوضح أنه في ظل غياب تحرك سياسي وقانوني ودبلوماسي حاسم، فسوف تستمر الهجمات على القطاع الصحي دون عقاب؛ ويدعو التقرير إلى تعزيز مبدأ المساءلة، وتوفير حماية أفضل للعاملين في المجال الصحي، وتجديد الالتزام بالتمسك بمبادئ الحياد الطبي والقانون الإنساني.
بناء التحالفات: دور المنظمات المشاركة في الجلسة
لم تمتز جلستنا النقاشية بمستوى كفاءة وخبرة المتحدثين المشاركين فحسب، بل امتازت أيضًا بتنوع وجهات النظر وروح الشراكة؛ إذ أتاحت منصة جامعة للحوار الصادق والتعاون العملي بين منظمة أطباء بلا حدود، ومنظمة الصحة العالمية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى جانب مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية “ويش”.
- شاركت منظمة أطباء بلا حدود الحضور جوانب من خبراتها المستمدة من عملها في الخطوط الأمامية، ما سلّط الضوء على شجاعة وصمود العاملين الصحيين الذين يمارسون عملهم تحت النيران.
- قدمت منظمة الصحة العالمية نظرة عامة على الوضع العالمي، شددت خلالها على حجم الأزمة ومدى تعقيدها.
- تحدثت وكالة الأونروا عن التحديات التي تواجه تقديم الرعاية الصحية للاجئين والنازحين، وكثيرًا ما يكون ذلك في أقسى الظروف وأشدها خطورة.
- ذكّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الحضور بالاعتبارات القانونية والأخلاقية الموجبة لحماية الصحة في خضم النزاعات.
- اضطلع مؤتمر “ويش” بدور الجهة المنظمة للجلسة والمحفزة للنقاش، مستخدمًا منصته في إيصال الأصوات بقوة ودفع عجلة العمل الجماعي.
إن هذا التحالف أكبر من مجرد مجموع أجزائه؛ إنه بمثابة مخطط يوضح للمجتمع الدولي كيف يتعين عليه الاستجابة باتحاد وعزم والتزام مشترك لحماية الصحة بوصفها حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان.
التطلع للمستقبل: من أوساكا إلى العالم
لا ينتهي عملنا عند مجرد استضافة جلسة واحدة أو إصدار تقرير وحيد؛ فالتحالف الذي نسعى لتأسيسه – عبر منظمات وتخصصات وحدود عدة – يجب أن يصبح أقوى وأكثر شمولًا، وثمة خريطة طريق لبلوغ هذه الغاية تقدمها التوصيات الواردة في تقرير “ويش” ومنظمة الصحة العالمية المشترك، غير أن تنفيذها سيتطلب إرادة سياسية، وجهود مناصرة مستدامة، وشجاعة التصدي لحالات الإفلات من العقاب حيثما وقعت.
وفيما نتأهب لوداع أوساكا، فإننا نترك رسالة واضحة: الهجمات على القطاع الصحي وصمة عار على جبين ضميرنا الجمعي، ولكن مثل هذه الهجمات ليست أمرًا حتميًا لا مناص منه؛ فمن خلال الشراكات والابتكار والدبلوماسية، يمكننا صون حرمة الصحة والرعاية الصحية حتى في أحلك الظروف.
إن جناح دولة قطر، بأشرعته البيضاء المبسوطة إلى العالم، يضرب لنا مثالًا مجازيًا ويعكس تكليفًا واجبًا في الوقت ذاته؛ فهو يذكّرنا أنه مثلما كان القارب القطري التقليدي يمخر عباب البحار المضطربة، فعلينا نحن أيضًا أن نبحر عبر تعقيدات النزاعات ونوجه دفتنا دومًا صوب المرفأ الآمن للصحة والسلام.
لنخلّد أوساكا في ذاكرتنا بوصفها ملتقى الأمم ومنصة إطلاق حركة عالمية غايتها حماية الصحة في خضم النزاعات المسلحة؛ لنحمل هذه الروح معنا ونحن نمضي إلى المستقبل – من سواحل دولة قطر إلى كل ركن في العالم تتعرض فيه الصحة والإنسانية للأخطار والتهديدات.
يشغل الدكتور سانور فيرما منصب مدير الشراكات والتواصل في مؤتمر “ويش” التابع لمؤسسة قطر، وقد أدار الجلسة النقاشية التي استضافها المؤتمر في جناح دولة قطر بمعرض إكسبو أوساكا 2025 تحت عنوان “حماية الصحة في النزاعات المسلحة”.
Similar Blogs AR

الرضاعة الطبيعية مسؤولية مجتمع: الثقافة، والسياسات، والدعم المجتمعي
اقرأ أكثر...