السمنة لدى الأطفال في دولة قطر – مقترح سياسة وطنية من خلال نهج متعدد القطاعات
تعد السمنة مشكلة صحية عامة مقلقة للغاية وتؤثر على البلدان المتقدمة والنامية، على حد سواء. فعلى مدار العقود القليلة الماضية، وصل انتشار السمنة لدى الأطفال إلى معدلات وبائية. ولا يقتصر الأمر على المرض ذاته، بل تصاحبه سلسلة من التبعات الخطيرة، منها الاضطرابات الاجتماعية خلال مرحلة الطفولة، إلى جانب زيادة فرص الإصابة بعدد من الأمراض الأخرى غير الانتقالية إبان مرحلة البلوغ، مثل ارتفاع ضغط الدم، والسكري من النوع الثاني، وأمراض القلب والأوعية الدموية. كما أن الأطفال الذين يعانون من زيادة في الوزن هم أكثر عرضة للإصابة بالسمنة في مرحلة البلوغ. وقد شهدت العقود الثلاثة المنصرمة تضاعفاً انتشار نسبة السمنة لدى الأطفال، حيث يعاني نحو 340 مليون طفل حول العالم ما بين 5 و 19 عاماً من زيادة الوزن أو السمنة في وقتنا الراهن. وبحسب النتائج التي تمخضت عنها دراسة “عبء المرض العالمي” في عام 2019، تبين وجود علاقة بين الإصابة بزيادة الوزن أوالسمنة ووقوع أكثر من 5 ملايين حالة وفاة. 1 ولقد أسفرت هذه المؤشرات عن ظهور التزامات دولية للحد من السمنة، وكان من صورها أن صادقت الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية على هدف الحيلولة دون زيادة معدلات السمنة لدى الأطفال بحلول عام 2025 .
تتأثر السمنة بعوامل قابلة للتعديل ويمكن الوقاية منها بدرجة كبيرة. وفي حين أن الإصابة بالسمنة ليست مسألة حتمية، فهي تعزى إلى الخيارات التي نتخذها على مستوى المجتمع، في المقام الأول وقبل كل شيء، وعلى مستوى الأفراد في المقام الثاني. لذا، فإن تفادي الإصابة بالسمنة، أو الوقاية منها، يكمن، في غالب الأحيان، في السياسات التي تتجاوز نطاق الرعاية الطبية. ومن شأن السياسات والإجراءات المتعددة القطاعات أو المشتركة بين قطاعات مختلفة أن تضع بين أيدينا رؤية استراتيجية لمعالجة هذه المعوقات الاجتماعية التي تشكل تهديداً على الصحة. ففي مجال الصحة، يقصد بالعمل متعدد القطاعات اتخاذ إجراءات قائمة على الأدلة من جانب قطاعات مختلفة، نحتاج إليها مجتمع للارتقاء بصحة الأفراد. وبشكل أساسي ،تعد السياسات الوقائية جزءاً لا تجزأ من سلسلة الخدمات التي تشملها التغطية الصحية الشاملة، كما أنها تعمل على توفير الدعم اللازم لتحفيز مزيد من النتائج الصحية الإجابية على المستوى المجتمعي من خلال الخدمات والتدخلات الصحية الناجحة.
وتتميز إجراءات السياسة التي تعنى بالصحة والرعاية الصحية بكونها قابلة للتكيف مع المقاربات المسماة’الصحة في جميع السياسات‘. وتستند هذه المقاربات إلى باقة من الدراسات التي أجريت على مدار عقود طويلة على إجراءات العمل متعدد القطاعات وعلى الممارسات القائمة على الأدلة في مجال الصحة العامة. وعادة ما تغطي سياسات الوقاية والتعزيز في قطاع الصحة أربع آليات رئيسة، هي:
– الإجراءات المالية (مثل الضرائب والإعلانات).
– القوانين واللوائح.
– التغيرات التي تطرأ على البيئة المبنية (الحضرية).
– تفعيل دورالمجتمع وحملات التثقيف التعليمية.