صحفيون من قطر يسعون لتحسين تقارير الصحة النفسية
بالتعاون مع مؤتمر ويش ومركز كارتر
تتواصل معاناة الأشخاص المتعايشين مع قضايا الصحة النفسية من سوء فهم المجتمع لهم، وتمييزه ضدهم، والوصمة الاجتماعية السلبية تجاههم. وفي منطقة الشرق الأوسط، يعني النقص الملحوظ في الدعم المجتمعي وقلة الفهم لاحتياجات الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية أن الأشخاص المتعايشين معها كثيرًا ما يعانون في صمت أو يرفضون العلاج.
وتُصنف الأمراض النفسية، التي يشيع تعريفها بأنها مجموعة من الأنماط السلوكية التي تتسبب في حدوث اضطراب نفسي وتعيق بالتالي الأنشطة اليومية الاعتيادية، ضمن أكثر الأمراض التي لا يتم الإبلاغ عنها في العالم، على الرغم من دخولها ضمن قائمة الأمراض الأكثر شيوعًا. ووفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، سيتحول الاكتئاب إلى ثاني أكثر الأسباب المؤدية للعجز شيوعًا في العالم بحلول عام 2020. وفي نفس الوقت، توصل تقرير صادر عن جامعة كامبريدج، أُجري في عام 2012، إلى احتمال معاناة شخص واحد من بين كل 13 شخصًا على مستوى العالم من القلق في مرحلة معينة من حياتهم.
وتبرز أهمية إجراء بحوث عالية الجودة للمساعدة في تحسين العلاج المقدم للأشخاص الذين يعانون من الأمراض النفسية، ولكن يتعين أيضًا على وسائل الإعلام أداء دور حيوي في تعزيز الوعي العام بقضايا الصحة النفسية. ويمكن أن تلعب الصحافة الواعية والأخلاقية دورًا كبيرًا في نشر المعلومات الدقيقة، وفي تشكيل موقف أفراد المجتمع تجاه الأشخاص المتعايشين مع قضايا الصحة النفسية.
ويوفر برنامج زمالة روزالين كارتر لصحافة الصحة النفسية، الذي أسسته السيدة روزالين كارتر، قرينة الرئيس الأمريكي الأسبق في عام 1996، ويديره مركز كارتر في مدينة أطلانطا بولاية جورجيا الأمريكية، تدريبًا مكثفًا ودعمًا للصحفيين المتخصصين في الكتابة عن قضايا الصحة النفسية من شتى أنحاء العالم. وفي عام 2016، دخل مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية، إحدى المبادرات التابعة لمؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، في شراكة مع مركز كارتر لإرسال أربعة صحفيين مقيمين في قطر إلى مدينة أطلانطا، للمشاركة في البرنامج، برفقة صحفيين من الولايات المتحدة، وكولومبيا، والإمارات العربية المتحدة.
وقد أكملت أول دفعة من زملاء المركز البالغ عددهم أربعة أشخاص، مؤخرًا، زمالاتهم التي تستمر مدى الحياة، حيث قاموا بأعمال مهمة باللغتين الإنجليزية والعربية في العديد من وسائل الإعلام. وأضيفت بالتالي قصصهم الإخبارية الصحفية إلى أكثر من 1500 خبر صحفي كتبه زملاء المركز منذ بدء البرنامج.
وعلى مدار العام الماضي، كتبت الصحفية آني ماثيو، وطارق بازلي، محرر العلوم والتكنولوجيا بقناة الجزيرة الإنجليزية، وبثينة الجناحي، الصحفية بجريدة العرب، وكاثي هيرن، عن مجموعة واسعة من المواضيع المرتبطة بالصحة النفسية مثل التعامل مع مرض الخرف من منظور مقدمي الرعاية، والطريقة المتكاملة لعلاج اضطراب التوحد، والتقدم الذي حققته دولة قطر في التعامل مع قضايا الصحة النفسية، ورؤية قطر الخاصة بالصحة النفسية.
وغالبًا ما يحظى الأشخاص الذين يعانون من مرض ذهني بدعم دائم من أسرهم وأصدقائهم الذين يتعين عليهم التعامل مع المحصلة التي يمكن أن يتركها مقدمو الرعاية الصحية على حياتهم. وقد تناولت آني ماثيو هذه القضية من خلال العمل الذي أدته أثناء فترة زمالتها التي استمرت لمدة عام.
وتحدثت ماثيو بشكل مطول في تقريرها المعنون “الخرف: شهادة أحد مقدمي الرعاية”، عن ملاك زبارة التي اضطلعت بدور مقدمة الرعاية لوالدها بالتعاون مع أمها. ويصف تقرير ماثيو كيف تغيرت حياة زبارة منذ أن بدأت في رعاية والدها الذي شخصت إصابته بمرض الخرف قبل 14 عامًا تقريبًا، وتناولت بالتفصيل الآثار العاطفية والمادية لهذا الوضع على العائلة بأكملها. وفي تقريرها المعنون: “التوحد، السير على الحبل الأبوي المشدود”، كتبت ماثيو عن الإرهاق والوحدة التي تواجه الآباء عند تربيتهم لطفل مصاب بالتوحد.
وقالت ماثيو: “مقدمو الرعاية أبطال مجهولون حقًا، إذ لا تحظى قصصهم الخاصة بالتقدير في كثير من الأحيان بسبب إساءة فهم الدور الذي يؤدونه في الغالب.” وذكرت ماثيو أنها كانت تهدف إلى إضفاء مسحة إنسانية على تقاريرها عن الصحة النفسية، بدلًا من مجرد عرض الأرقام والحقائق عن المشكلة في قطر، وأنها قررت الاستمرار في تسليط الضوء على قضايا الصحة النفسية من خلال عملها في المستقبل نتيجة لمشاركتها في برنامج الزمالة.
وفي نفس الوقت، استغل طارق بازلي وقته خلال برنامج الزمالة في تطوير أفضل الممارسات الدولية للمؤسسة الإعلامية فيما يتعلق بكتابة التقارير عن قضايا الصحة النفسية. كما ساهم بازلي في كتابة تقارير مركزة عن الصحة النفسية في قارة أفريقيا.
وقال طارق بازلي: “من خلال زمالتي لمركز روزالين كارتر، أعتقد أنني تمكنت من إثراء التغطية العالمية لقناة الجزيرة بخصوص هذه القضية المهمة وإضافة عمق لها. وقد حازت تقاريرنا خلال العام الماضي على اهتمام كبير وتقدير واسع لدورها في تسليط الضوء على محنة الأشخاص المصابين بأمراض نفسية في أفقر الدول بالعالم.”
وقد تعاون بازلي مع صحفيين في كتابة التقارير المتعلقة باضطرابات الصحة النفسية في الكونغو، والجهود التي تبذلها ساحل العاج لعلاج الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات نفسية بفعل الحرب، والصدمة الناتجة عن التعايش مع مرض الإيدز في جنوب أفريقيا، وقصص نجاح الطلاب الذين يعانون من التوحد في الدوحة، وأزمة الرعاية الصحية النفسية المتشعبة في فنزويلا.
وفي حلقة من برنامج “ذا ستريم”، بثتها قناة الجزيرة الإنجليزية في شهر نوفمبر 2016، درس صحفيون بقيادة بازلي أسباب وجود أعلى معدل للانتحار في العالم بجمهورية غيانا الواقعة في قارة أمريكا الجنوبية. وتشير التقارير إلى حدوث 44 حالة انتحار بين كل 100 ألف مواطن غياني، وهو أكثر من ضعف متوسط المعدل العالمي للانتحار البالغ 16 حالة بين كل 100 ألف شخص. وشارك في هذه الحلقة صحفيون، وعلماء نفس، وأكاديميون، وباحثون لمناقشة القضية.
ومن جهتها، تعتقد بثينة الجناحي أن برنامج زمالة روزالين كارتر لصحافة الصحة النفسية يزود المشاركين بفرصة قيّمة لتوظيف الصحافة في التأثير على صناع السياسات بشكل إيجابي. تقول الجناحي: “يساعدنا البرنامج في تعلم كيفية التركيز على توظيف قوتنا الناعمة كصحفيين للتحدث نيابة عن الأشخاص المتعايشين مع قضايا الصحة النفسية، وكيفية بناء جسر بين هؤلاء الأشخاص وصناع السياسات في المجتمع.”
وقد كتبت الجناحي 12 عمودًا صحفيًا عن قضايا الصحة النفسية منذ التحاقها بالبرنامج، إلى جانب كتابة ورقة بحثية مطولة عن كيفية تعامل الأمهات العاملات بدوام كامل مع مشاكل الصحة النفسية.
وقبل التحاقها ببرنامج الزمالة، أدركت كاثي هيرن، وهي صحفية حرة، عدم توازن التغطية الإعلامية للأمراض البدنية والنفسية، إلى جانب وجود فجوة في التغطية الإعلامية لتأثير الأمراض النفسية بدورها على الصحة البدنية. وقد ساعدها الوقت الذي قضته ببرنامج زمالة مركز روزالين كارتر في تركيز جهودها على محاولة سد هذه الفجوة، وعلّمها الاهتمام بالكلمات التي تستخدم لوصف الأمراض النفسية في وسائل الإعلام.
وتحدثت هيرن على الوقت الذي أمضته في برنامج زمالة روزالين كارتر، فقالت: “لقد تعرفت على أهمية اللغة عند الحديث عن قضايا الصحة النفسية، والحاجة لوجود نماذج أكثر تنوعًا في الأماكن العامة للحد من الوصمة السلبية. ونحن ننبذ العنصرية أو التعصب داخل غرف الأخبار في الوقت نفسه. وأنا قادرة على نبذ التمييز ضد الأشخاص الذين يعانون من تحديات الصحة النفسية في تعاملاتي الشخصية والمهنية، مدعومة بالبيانات الطبية والعلمية وثيقة الصلة.”
وتعكف هيرن على كتابة فيلم لقناة الجزيرة الإنجليزية عن العلاقة بين الأمراض البدنية والنفسية، من المنتظر عرضه في منتصف شهر أكتوبر 2017، بالتزامن مع اليوم العالمي للصحة النفسية. كما تكتب تقريرًا عن امرأة عراقية فرّت من الموصل وصراعها مع الاكتئاب، ومن المتوقع نشر هذا التقرير على الموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة الإنجليزية.
تقول هيرن: “لا يزال لدينا طريق طويل يتعين عليه قطعه إذا ما أردنا التخلص من الوصمة السلبية المتعلقة بقضايا الصحة النفسية. وبنفس أهمية عرض مجموعة متنوعة من الوجوه عند إنتاج أخبار سياسية أو اقتصادية أو رياضية لكي يمتلك الأشخاص من جميع الثقافات فرصة للارتباط بشخص يتحدث ويفكر ويبدو مثلهم، هناك أيضًا حاجة حقيقية لعرض أفراد من الشرق الأوسط عند إنتاج قصص إخبارية في وسائل الإعلام عن قضايا الصحة النفسية، وذلك إذا ما أردنا الحد من الوصمة السلبية التي تواجه المرضى النفسيين في المجتمع العربي.”
More أخبار
صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر تشهد افتتاح قمة “ويش” 2024 التابعة لمؤسسة قطر
اقرأ أكثر...مؤتمر “ويش” يعلن عن القائمة المختصرة لجوائز الابتكار العالمي في الرعاية الصحية
اقرأ أكثر...متحدثون بارزون يتناولون التحديات الصحية العالمية في قمة ويش 2024
اقرأ أكثر...