من قوائم المراجعة الجراحية إلى الصحة العالمية: رؤية للنظافة والوقاية من العدوى في مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات

في إطار أسبوع التوعية بمقاومة مضادات الميكروبات، حظينا بفرصة مقابلة اللورد آرا دارزي، الرئيس التنفيذي لمؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية (ويش)، لمناقشة التحدي العالمي المُلحّ المتمثل في مقاومة مضادات الميكروبات. في هذه المقابلة، يُشاركنا وجهة نظره حول ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، وكيف يُمكن للابتكار والتعاون أن يُسهما في حماية مستقبل الرعاية الصحية
لقد قدت جهود الابتكار في مجال الجراحة والوقاية من العدوى طوال مسيرتك المهنية. هل يمكنك أن تخبرنا عن تجربة مررت بها في بداياتك في عالم الجراحة، ساهمت في تشكيل وعيك بأهمية النظافة الصحية في إنقاذ الأرواح؟
مثلي مثل معظم الأطباء، أتذكر أكثر من عملية جراحية يفترض أنها روتينية ونجاحها مضمون، ولكن كانت حالة المريض تسوء بسبب إصابته بالعدوى بعد الجراحة. كانت تلك التجارب التي خضتها في بداية حياتي المهنية بمثابة تذكير واضح لي أن ممارسات النظافة الصحية والوقاية من العدوى ليست إجراءات روتينية فحسب، بل شريان حياة، وأن سلامة المريض تعتمد على كفاءة النظام الصحي بأكمله. لقد دفعني هذا الدرس إلى التركيز على الجودة والسلامة طوال مسيرتي المهنية، بدءًا من إعداد قوائم مراجعة للإجراءات المتعلقة بالجراحة، وصولاً إلى إعادة تصميم رحلة المريض داخل النظام الصحي. كما كشفت لي هذه التجربة عن حقيقة أكبر، وهي أنه كلما انتقلت العدوى من شخص لآخر، زادت فرصة الميكروبات لمقاومة المضادات الحيوية، ما يعني أن أي إهمال في ممارسات النظافة الصحية لا يعرّض المرضى للخطر فحسب، بل يزيد من خطر أحد أكبر التحديات التي تهدد سلامة المرضى في عصرنا.
الوقاية من العدوى أحد التحديات الأساسية في منظومة الرعاية الصحية. حدثنا عن الإنجازات التي عاصرتها وساعدت في تحقيقها في مجال سلامة المستشفيات والسياسات الصحية، وتعتقد في الوقت نفسه أنها أحدثت تأثيرًا دائمًا؟
أسعدني الحظ بأن أكون جزءًا من رحلة التحول الكبير في طريقة تعاملنا مع سلامة المرضى. وقد ركزت الإصلاحات التي أشرفت على تنفيذها في هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) على مبدأ تقديم الجودة والسلامة على كل ما سواهما. لقد زدنا مستوى الشفافية بشكل ملحوظ، حيث نشرنا للجمهور بيانات متعلقة بنتائج الرعاية السريرية، بما في ذلك معدلات العدوى، مما ولَّد دافعًا قويًا لدى المستشفيات لتحسين أدائها. كما شجعنا اعتماد الممارسات المبنية على الأدلة، مثل قوائم مراجعة الإجراءات المتعلقة بالجراحة، وثبت أنها تقلل بشدة من المضاعفات والعدوى. وفي الآونة الأخيرة، ومن خلال مبادرة «فليمنج»، ندفع في اتجاه تبنى نهج أكثر تكاملاً لمواجهة تحديات الصحة العامة، ويقوم هذا النهج التكاملي على ربط الممارسة السريرية بالعلوم والسياسات والمشاركة المجتمعية، لمعالجة الأسباب الجذرية للعدوى ومقاومة المضادات الحيوية.
كشفت جائحة كوفيد-19 عن نقاط القوة والضعف في الممارسات العالمية المتعلقة بالنظافة الصحية. ما الدروس التي استخلصتها كطبيب وكصانع سياسات في مجال الصحة خلال هذه الفترة؟
كانت الجائحة لحظة اختبار فارقة لمنظومة الصحة العالمية. فقد كشفت هشاشة أنظمتنا الصحية، لكنها أظهرت أيضًا قدرتها الكبيرة على الصمود. ومن موقعي كطبيب، شاهدت عن كثب تفاني العاملين في مجال الرعاية الصحية وما قدموه من ابتكارات سريعة على مستوى التشخيص والعلاج. ومن منظور السياسات الصحية، أدهشني قوة التعاون العالمي، غير أنني لاحظت في الوقت نفسه وجود فجوات عميقة في حصول الناس على الحد الأدنى من النظافة والرعاية الصحية. ويظل أحد الدروس التي تعلمتها من الجائحة هو أن اللقاح لم يكن المنقذ منها، بل اختبار التشخيص. ولهذا تُعد التشخيصات من ركائز مبادرة «فليمنج». ومن الدروس المهمة الأخرى التي استفدتها الحاجة لسد الفجوة بين الممارسات السريرية والصحة العامة. فقد نمتلك أكثر المستشفيات تطورًا في العالم، ولكن ما لم نتعامل مع المحددات الاجتماعية للصحة، ونضمن حصول الجميع على مياه نظيفة، وصرف صحي، والمقومات الأساسية للنظافة، فعلينا انتظار جائحة أخرى.
بصفتك الرئيس التنفيذي لقمة «ويش» ومن الداعمين لمبادرة «فليمنج»، ما رؤيتك لمواجهة مقاومة المضادات الحيوية وتعزيز الابتكار في مجال النظافة الصحية؟
أتطلع لرؤية عالم يتبنى نهجًا مستدامًا ومنصفًا في مواجهة مقاومة المضادات الحيوية. تقوم مبادرة «فليمنج» على فكرة الحاجة لوجود نهج متعدد التخصصات، يجمع بين العلماء، وصانعي السياسات، والمتخصصين في مجال الرعاية الصحية، والجمهور. ونركز في هذه المبادرة على تعزيز الابتكار في التشخيص والعلاج، ونشجع أيضًا على الاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية الحالية، وتطوير أساليب جديدة للوقاية من العدوى ومكافحتها. كما نعمل على بناء القدرات في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، التي يزداد فيها عبء مقاومة المضادات الحيوية. وفي «ويش»، نعمل على بناء مجتمع عالمي من المبتكرين والقادة الملتزمين بمشاركة أفضل الممارسات، ونشر الحلول الصحية على نطاق واسع. فغايتنا في نهاية المطاف هي بناء عالم يتمكن فيه الجميع من الوصول إلى رعاية صحية آمنة وفعّالة، وتوفر الحماية من العدوى المقاومة للأدوية.
عند مخاطبتك للجمهور، وخاصة الشباب، ما الرسالة التي تنقلها لهم حول أهمية غسل اليدين والنظافة الصحية واتخاذ التدابير اللازمة للوقاية من العدوى يوميًا؟ ولماذا تحظى هذه الأمور بالأهمية حتى اليوم؟
الشباب ليسوا قادة المستقبل فحسب، بل لهم دور مؤثر وفعال اليوم أيضًا. إذ تظل الأفعال البسيطة، كغسل اليدين بالماء والصابون، من أفضل الطرق لمنع انتشار العدوى. وقد يبدو ذلك سلوكًا بسيطًا، ولكن تأثيره كبير للغاية، على صحتك الشخصية، بل وعلى صحة عائلتك ومجتمعك والعالم بأسره.
ونعمل في مبادرة «فليمنج» على تضمين هذه السلوكيات البسيطة في المناهج الدراسية، مع الاستفادة من القصص والشراكات لتعزيز هذه السلوكيات، ويشمل ذلك شراكتنا مع شبكة «تشاين» (CHAIN) من صانعي المحتوى على «يوتيوب»، لإيصال رسالتنا. إنها رسالة تمكين، تذكر الشباب بأنه بإمكانهم أن يكونوا جزءًا من الحل.
بالنظر إلى المستقبل، ما أبرز الفرص والتحديات في رأيك لتعزيز الوقاية من العدوى على مستوى العالم؟
تكمن الفرصة الأبرز في الجمع بين التكنولوجيا وعلم البيانات وعلم السلوك. لدينا أدوات جديدة لتتبع حالات تفشي الأمراض والتنبؤ بها، وأدوات أخرى لابتكار تشخيصات وعلاجات جديدة، وتشجيع الناس على تبني سلوكيات صحية. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر متمثلاً في وجود إرادة سياسية واستثمارات مالية. نحن بحاجة للانتقال من النهج الذي ينتظر حدوث الأزمة للتعامل معها إلى آخر استباقي يتعامل معها مبكرًا، وهو ما يتحقق عبر الاستثمار في البنية التحتية للصحة العامة، وتعزيز الأنظمة الصحية، وضمان حصول الجميع على الخدمات الأساسية للنظافة والصرف الصحي. ويتطلب ذلك التزامًا عالميًا يشمل الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني للعمل معًا. إنه تحد كبير، ولكنني متفائل بقدرتنا على بناء عالم ينعم فيه الجميع بوافر الصحة والسلامة.