تحديد الفجوات في ابتكارات الرعاية الصحية وكيفية سدها
بقلم محمود العشي، رئيس قسم الابتكار، ويش
حققت خدمات الرعاية الصحية تقدمًا سريعًا خلال القرن الماضي. وأدت الإنجازات الكبيرة في مجال التشخيص والعلاج والشفاء إلى تحسين نوعية الحياة، بل وزاد متوسط العمر – من 52 عامًا لشخص وُلد عام 1960 إلى 72 عامًا لشخص وُلد في عام 2018 [1]. مدفوعة بشكل أساسي بالابتكار، لم تُؤدِ التطورات في الرعاية الصحية إلى تحسين رعاية المرضى بشكل كبير وإنقاذ آلاف الأرواح فحسب، ولكن كذلك إلى تعزيز الخدمات الصحية من خلال تبسيط الأساليب المتّبعة.
على الرغم من التقدّم الكبير في مجالات الرعاية الصحية المختلفة، فإن التفاوت في قطاع الصحة – الفجوات في جودة الصحة وخدمات الرعاية الصحية بين مختلف المجموعات العرقية والاجتماعية والاقتصادية – لا يزال سائدًا على مستوى العالم. ووفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي [2]، لا يزال نصف سكان العالم لا يحصلون على الرعاية الصحية الأساسية، ويرجع ذلك أساسًا إلى التكلفة العالية نسبيًا، وعدم توفر الخدمات أو المتخصصين في الرعاية الصحية. كما أن هناك العديد من الأمراض المزمنة والمنهكة التي لا تزال غير مفهومة، وأولئك الذين يعانون منها ما زالوا يتطلعون إلى العلاج الشافي. ومع تطور العالم، ستستمر الحالات الصحية الجديدة في الظهور.
أصبحت الحاجة العالمية لأنظمة رعاية صحية أكثر كفاءة، في الأشهر الثمانية الماضية، أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. لم تكشف الحرب ضد جائحة كوفيد-19 عن نقاط الضعف في أنظمة الرعاية الصحية فحسب، بل أنها سلطت الضوء أيضًا على الحقائق القاسية الناتجة عن عدم المساواة في تلقي الرعاية الصحية على مستوى العالم.
لسد هذه الفجوات، لا تحتاج أنظمة الرعاية الصحية إلى الابتكار فحسب، بل وإلى القيام بذلك في الاتجاه الصحيح. وفي هذا الصدد، قد يمتلك العاملون في مجال الرعاية الصحية أفضل خارطة طريق لتحديد الاتجاه الصحيح.
هناك ما يدعو إلى التفاؤل، فوفقًا لمؤشر الابتكار العالمي لعام 2019، تعطي كل من الاقتصادات المتقدمة والنامية الأولوية الآن للابتكار لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، مما يؤدي إلى زيادة التركيز على إنشاء نظم وشبكات ابتكار السليمة والديناميكية والمحافظة عليها. ومع ذلك، غالبًا ما يواجه الابتكار في مجال الرعاية الصحية وتعميمه العديد من التحديات التي تبطئ تنفيذ الحلول التي تلبي احتياجات الرعاية الصحية الحرجة.
يشكل التمويل إحدى العقبات الرئيسية في مجال ابتكار الرعاية الصحية، وقد اقترح تقرير مؤشر الابتكار العالمي لعام 2019 ضمان التمويل الكافي للابتكار في المجال الطبي، لا سيما بالنسبة لأبحاث القطاع العام، كأولويات رئيسية لدفع عجلة الابتكار.
كما أن الأرباح الضئيلة، أو غير المؤكدة، وعوائد الاستثمار طويلة الأجل، لا تشجع المستثمرين على ضخ الأموال في ابتكارات الرعاية الصحية. وبينما قد يتمكن المستثمرون في شركة تكنولوجيا معلومات ناشئة من تحقيق عائدٍ على استثماراتهم في غضون عامين تقريبًا، فمن المرجح أن يضطر أولئك الذين يستثمرون في مشاريع الرعاية الصحية إلى الانتظار عدة سنوات لمعرفة ما إذا كان سيتم اعتماد المنتج من عدمه. علاوة على ذلك، يبقى جدوى تلك المشاريع في السوق رهينة الأطباء والعاملين في الرعاية الصحية، الذين يملكون خيار التوصية بالمنتج أو رفضه.
ويتمثل التحدي الآخر للابتكار في مجال الرعاية الصحية في عدم توجّه أعمال البحوث للابتكار في الرعاية الصحية العملية؛ فالعديد من الابتكارات المنجزة في مجال الرعاية الصحية لا تلبي بالضرورة الاحتياجات الحالية.
قد يكون لدى المستثمرين العديد من الاعتبارات قبل تمويل مشروع ما، لكن قدرة المنتج على تلبية احتياجات الرعاية الصحية الحالية قد تكون أداة مقنعة لاستقطابهم. وسيجعل وجود رؤية واضحة لمكان تواجد الفرص ضمن منظومة الرعاية الصحية المبتكرين أكثر إنتاجية، ويساعدهم على استقطاب التمويل المنشود.
وفي إطار هذا السيناريو، سيتوفر للعاملين في مجال الرعاية الصحية معينٌ لا ينضب من الأفكار حول التحديات والفرص. إنهم شهود عيان في الخطوط الأمامية على بعض من أكثر الاحتياجات والتحديات إلحاحًا في أنظمة الرعاية الصحية، من تقديم خدمات الرعاية، وإدارة المرضى، والسلامة، وتوحيد الإجراءات وغيرها.
في تقريرنا (تقرير ويش) لعام 2016 حول الانتشار العالمي للابتكار في مجال الرعاية الصحية، أفاد تسعة من كل 10 عاملين في الخطوط الأمامية للرعاية الصحية بأنهم واجهوا موقفًا أو أكثر في العام السابق جعلهم يرغبون في تغيير طريقة عملهم. كما أفاد أكثر من نصف المستجوبين أن لديهم أفكارًا يمكن أن تحسن الممارسة السريرية والنتائج بالنسبة للمرضى.
توفر الخبرة الملائمة هو أمر ضروري في عملية الابتكار، ومن خلال إشراك العاملين في الرعاية الصحية، فنحن نستفيد من معرفتهم وخبراتهم الواسعة في رعاية المرضى. ومن هنا، يُمكننا من خلال سد فجوة الاتصال بين “أصحاب المعرفة في الخطوط الأمامية”، أي العاملين في مجال الرعاية الصحية، وأولئك الذين يمتلكون الروح والإمكانات لترجمة تلك المعرفة إلى ابتكارات تغيّر الحياة، على غرار رواد الأعمال، تحقيق هدفين: أولاً، ضمان تلبية المنتج الجديد لحاجة حقيقية، وثانيًا، تمتع المنتج بفرصة أكبر للحصول على تمويل خلال مرحلة التطوير.
[1] https://data.worldbank.org/indicator/SP.DYN.LE00.IN
[2] https://www.weforum.org/agenda/2019/09/half-of-the-world-s-population-lack-access-to-essential-health-services-are-we-doing-enough/